مقالات راي

“الإيجار القديم”… أزمة بين وجع المالك وظروف المستأجر

“الإيجار القديم”… أزمة بين وجع المالك وظروف المستأجر
بقلم: سهام محمد راضي

في شقة صغيرة منسية في أحد أحياء القاهرة، تعيش “أم حسن”، أرملة تجاوزت الستين، تدفع إيجار 12 جنيهًا شهريًا منذ خمسين عامًا. تسكن المكان وكأنه قطعة من روحها، لكنها تعلم في قرارة نفسها أن المالك الذي ورث هذا العقار لا يحصل حتى على ما يغطي صيانة المبنى. وبينها وبينه، تقف الدولة في صمت، تتأمل أزمة ممتدة منذ عقود، بلا حل جذري. إنها أزمة قانون “الإيجار القديم”.

قانون الإيجار القديم ظهر في الأربعينيات والخمسينيات لحماية المواطنين من الارتفاع الجنوني في أسعار السكن بعد الحرب العالمية الثانية. وقتها، كانت الطبقة الوسطى تعاني، والسكن أزمة وطنية. فجاء القانون ليحدد القيمة الإيجارية، ويمنع طرد المستأجر، ويسمح بتوريث العقد، دون تحديد زمني. لكن الزمن تغيّر، والأسعار تضاعفت مئات المرات، وبقيت الإيجارات على حالها. فشقة في موقع مميز، تُؤجر بعشرين جنيهًا في الشهر، في وقت لا يقل فيه إيجار نفس المساحة في السوق عن ألفي جنيه.

هنا تبدأ مأساة المالك. يرى أن القانون انتزع منه حقه في الانتفاع بممتلكاته، فلا هو قادر على بيع العقار، ولا ترميمه، ولا حتى استخدامه. وفي المقابل، يعيش المستأجر تحت تهديد الإخلاء. بعضهم لا يملك بديلًا، وبعضهم يعيش على معاش ضئيل، لا يكفي لتغطية إيجار شقة في السوق المفتوح. وهناك من يرث عقد الإيجار رغم أنه لا يسكن في العقار أصلًا، فيبقى المالك محرومًا من حقه، لا لذنب ارتكبه، سوى أنه امتلك.

القضية ليست فقط في الأرقام، بل في التوازن المفقود. هناك شقق مغلقة بالسنين، يحتفظ بها المستأجرون كورقة ضمان للمستقبل، بينما الملاك لا يجرؤون على الاقتراب. وهناك مبانٍ متهالكة، يرفض أصحابها صيانتها لأن العائد منها لا يكفي حتى ثمن الأسمنت.

لكن رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك مستأجرين لا يملكون بديلًا، ولا قدرة على الانتقال، ولا موردًا يتيح لهم دفع إيجار جديد. هناك أرامل، وكبار سن، وأسر فقيرة، ما زالت تعيش في هذه الشقق لأنها لا تملك غيرها. المشكلة إذًا ليست في وجود القانون، بل في استمراره بهذا الشكل المجحف للطرفين.

الحل لا يجب أن يكون مفاجئًا أو قاسيًا. بل يحتاج إلى عدالة تدريجية، تشمل تحريرًا منظمًا لقيمة الإيجار على مدى زمني محدد، مع فرز حقيقي للحالات الإنسانية. من يملك ومن لا يملك؟ من يستحق الدعم ومن يقدر على التحمل؟ الحل في وقف التوريث التلقائي، وتشجيع الملاك على ترميم العقارات بعد تحصيل عائد عادل، وإنشاء صندوق دعم للفئات غير القادرة على مواكبة التغيير.

القضية ليست ورقة قانونية، بل حياة ناس. بيت “أم حسن” أمان عمرها، وشقة الحاج “رضا” حقه اللي ضاع. ولسنوات، بقينا نعيش في منطقة رمادية، لا تحسم القضية، ولا تنصف أحدًا.

اليوم، آن الأوان أن نصل إلى حل يحفظ كرامة الجميع، ويعيد التوازن بين الحق والرحمة، وبين الواقع والحلم. إصلاح قانون الإيجار القديم لم يعد رفاهية، بل ضرورة أخلاقية واجتماعية واقتصادية لا تقبل التأجيل.

منصة تقارير

خالد حسين البيومى كاتب صحفي رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة أخبار السياسة والطاقة نائب رئيس مجلس إدارة موقع تقارير الصادرة عن الجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة الأمين العام للجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة عضو بالمراسلين الأجانب عضو بالإتحاد الدولى للأدباء والشعراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock