مقالات راي

هل اقتربت لحظة الصراخ الكبرى؟

كتب /شحاته زكريا

الصواريخ لا تنطلق وحدها بل تسبقها نوايا وتحفّها مشاريع وترافقها حسابات معقدة لا تكتب على الورق بقدر ما تُنقش على الجغرافيا والدم. لذلك فإن ما يدور الآن بين إسرائيل وإيران ليس مجرد مواجهة عسكرية خاطفة بل هو اختبار بالغ القسوة لثلاثة مشاريع كبرى تتناطح فوق صفيح ساخن.

في هذه الحرب لا تصرخ الصواريخ بل تصرخ الأحلام القديمة حين تتحطم على أرض الواقع. تحلم إسرائيل بـ”الوعد الإلهي” من النيل إلى الفرات لا باعتباره أسطورة توراتية، بل باعتباره خطة عسكرية واقتصادية واستراتيجية تسعى لإعادة رسم خرائط النفوذ والسيادة. بينما تنبعث من طهران رائحة إمبراطورية غابرة تبحث عن فرصة للعودة تتوسل الجغرافيا، وتستدعي الطائفية، وتراهن على صبر المدى الطويل.

هذه ليست حربا بالوكالة. لأول مرة منذ عقود ينزاح الستار عن المواجهة المباشرة. إيران التي لطالما خاضت معاركها عبر “أذرعها” الممتدة في غزة وبيروت وصنعاء تجد نفسها الآن في قلب العاصفة ، تتلقى الضربات على أرضها وترد بالصواريخ وتلوّح بخيارات أكثر فتكا أما إسرائيل فقد قررت كسر القواعد كلها ولم تَعُد تقبل التهديد من بعيد فذهبت مباشرة إلى مخازن اليورانيوم وأدمغة العلماء.

لكن وراء كل ذلك تكمن مفارقة جارحة: لا أحد قادر على الحسم ، ولا أحد مستعد للهزيمة. فإسرائيل تعرف أن الدخول في طهران ليس كالدخول إلى غزة ، وإيران تعرف أن تل أبيب ليست هدفا سهلا في مرمى الصواريخ وحدها. المشهد أقرب إلى رقعة شطرنج ملغومة كل حركة فيها قد تفجّر المنطقة.

وهنا تبرز معضلة القيادة. ثلاث شخصيات عجوزة تملك مفاتيح الحرب والسلم لكنّها لا تمتلك شجاعة التراجع. نتنياهو المحاصر بالداخل يرى في التصعيد فرصة لإنقاذ مستقبله السياسي حتى ولو عبر حريق شامل. خامنئي المحاط بجدران الحرس والعقيدة لا يستطيع أن يتراجع دون أن يفقد هيبة الثورة. وترامب العائد إلى الواجهة في سباق انتخابي مسموم يبحث عن انتصار خارجي يمحو كوارث الداخل. هؤلاء الثلاثة لا يملكون ترف التراجع، ولا يملكون كذلك وضوح الرؤية.

المنطقة كلها تُساق نحو الحافة لكن أحدا لا يعرف ما ينتظر بعد الخطوة التالية. هل يكون هناك خيار “شمشون”؟ ذاك السيناريو المرعب الذى يُسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع؟ ربما. لكن الأخطر من الخيار نفسه، هو وجود من يعتبره حلاً مشرّفا لا انتحارا جماعيا الحرب بدأت بأهداف محددة لكنها تتسع الآن بأهواء متصارعة ونزعات انتقامية تتغذى من مشاهد الدم.

في مثل هذه اللحظات يُصبح الصراخ مؤشرا للهزيمة لا للغضب. من يصرخ أولا؟ من يعلن الاستسلام؟ من يمد يده لمائدة مفاوضات تحترق أطرافها باللهب؟ لا أحد يريد أن يكون الطرف الأضعف ولا أحد يعترف أن النار بدأت تحرق أصابعه. ولكن التاريخ لا يرحم من يفتح الحروب ولا يعرف كيف يغلقها.

ربما تنجو إسرائيل ببعض ما أرادت وربما تثبت إيران قدرتها على الرد لكن الخسارة الأكبر ستبقى من نصيب الشعوب تلك التى لا مكان لها على موائد الحسابات ولا تُذكر في نشرات القصف إلا كأرقام في أخبار عاجلة.

إن الصراع القائم الآن ليس معركة بين حق وباطل كما يحاول البعض تصويره ولا هو ملحمة أسطورية بين قوى الشر والخير. إنه صراع مصالح تُحركه غرائز القوة والخوف وتُشعل نيرانه أحلام الهيمنة والانتقام. وإذا لم تتدخل العقول العاقلة في الوقت المناسب فإن السؤال لن يكون: “من يصرخ أولا؟” بل: “هل يتبقى أحد ليصرخ؟”

منصة تقارير

خالد حسين البيومى كاتب صحفي رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة أخبار السياسة والطاقة نائب رئيس مجلس إدارة موقع تقارير الصادرة عن الجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة الأمين العام للجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة عضو بالمراسلين الأجانب عضو بالإتحاد الدولى للأدباء والشعراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock